رحلة سبتمبر… حين تُعلّمنا الحياة المرونة

مرحباً يا أصدقاء،

هل سبق لكم أن شعرتم أن الحياة تلقي عليكم كرة ثلجية ضخمة، وأنتم بالكاد كنتم تستمتعون بجمال يوم خريفي هادئ؟ هذا بالضبط ما حدث لي قبل أسابيع قليلة. كان صباحاً خريفياً ساحراً، تتراقص فيه أوراق الشجر الذهبية تحت أشعة الشمس الدافئة، وتهمس نسمات الهواء الباردة بقصص الشتاء القادم. كنت أخطط لشهر سبتمبر بكل حماس، أضع قائمة طويلة من الإنجازات والأهداف، وكأنني أرسم لوحة فنية زاهية الألوان، كل ضربة فرشاة فيها تحمل وعدًا بالبهجة والإنتاجية.

التخطيط والمرونة لمواجهة أحداث الحياة الصعبة

لكن، وكما تعلمون، الحياة لا تمضي دائماً كما نتمنى. فجأة وبدون سابق إنذار، انقلبت الموازين. مرض مفاجئ أصاب أحد أفراد عائلتي، وحوّل ذلك اليوم الجميل إلى بداية شهر كامل من التعب والقلق. تلاشت لوحتي الزاهية، وتبخرت معها الخطط التي رسمتها بعناية. شعرت وكأنني أقف على شاطئ، والأمواج تسحب مني كل ما بنيته من رمال.

العجيب أن عقلي الواعي كان يهمس لي: "لا بأس، فهذا ما قدّره الله، وهو خارج عن إرادتك". لكن قلبي أحياناً كان يصرّ على حمل شعور الفشل، وكأن كل ما خططت له تبعثر سدى. هل مررتم بشيء مشابه؟ تعرفون بعقولكم أنكم لم تقصّروا، ومع ذلك يثقل الصدر بخيبة خفيفة؟ ربما هي طبيعة النفس البشرية، التي تحتاج أن تتذكّر دوماً أن ما كتبه الله هو خير، حتى وإن لم نفهمه في لحظته.

وما جعل الأمر أصعب أن الاهتمام بالمريض – وهو واجب نابع من الحب – استنزف الكثير من طاقتي. السهر، القلق، التفكير المستمر… كلها جعلتني أبدو وكأنني أنا أيضاً مريضة، وإن كان مرضاً من نوع مختلف: إرهاق جسدي ونفسي. وفي ليالي التعب الطويلة، قبل أن أغفو، كانت الأفكار السلبية تتجمع: خطط لم تتحقق، أحلام مؤجلة، وحياة خرجت فجأة عن مسارها الطبيعي.

عندها بدأت رحلة التفكير في الخطة البديلة. صحيح أن الأمر لم يكن سهلاً، لكنني اكتشفت أن التخطيط في الأوقات الحرجة ليس رفاهية، بل ضرورة. ليس مجرد وضع أهداف، بل بوصلة توجهنا وسط بحر الظروف المتقلبة. بدأت أبحث عن أبسط الإنجازات: قراءة صفحة من كتاب، إعداد كوب شاي دافئ، ترتيب زاوية صغيرة في البيت. هذه التفاصيل البسيطة كانت بمثابة حبال نجاة، تمنحني شعوراً أنني ما زلت أتحرك إلى الأمام، ولو بخطوات صغيرة. ومن يدري؟ ربما تلك الخطوات الصغيرة هي التي تحفظ توازننا حتى نستعيد قوتنا.

تعلمت أن الحياة ليست خطاً مستقيماً، بل سلسلة منعطفات. وأن التخطيط لا يضمن لنا طريقاً مثالياً، لكنه يمنحنا القدرة على المرونة، على تغيير المسار عندما تفرض الظروف ذلك. وهنا، كان الوازع الإيماني يخفف قلبي: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"… هذه الآية كانت مرساة للروح، تذكرني أن ما أظنه خسارة قد يحمل في داخله حكمة وخيراً لم أره بعد.

لذا، يا أصدقائي، لا تدعوا الظروف الصعبة تكسر عزيمتكم. تذكروا أن التخطيط ليس فقط للأيام المشمسة، بل هو أشد أهمية في الأيام الغائمة. خططوا للمرونة، خططوا للإنجازات الصغيرة. والأهم من ذلك، خططوا للثقة بأنفسكم وبقدرتكم على التكيف.

دمتم بخير يا أصدقاء. فالحياة رحلة مليئة بالمفاجآت، ولكن بقلب مؤمن وعقل مرن، يمكننا أن نحول كل تحدٍ إلى فرصة للنمو والتعلم. 

تعليقات

  1. بارك الله فيك حبيبتي ووفقك لما يرضى ويحب ...سلامي وودي لك غاليتي 🌹💚

    ردحذف
  2. سعيدة أن المقالة نالت إعجابك شكرا لوجودك الجميل في مدونتي.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدول تتبع الصلاة للأطفال

التقويم السنوي 2025 مجاناً

التقويم السنوي للأطفال 2025 مجاناً