الكنز الذي يختبئ في الأيام الصعبة

مرحباً يا أصدقاء،

تخيلوا معي أن الإحباط مثل سحابة ثقيلة تمرّ فجأة في سماء صافية، تحجب عنا الشمس وتتركنا في ظلال باردة. لكن الغريب أن هذه السحابة لا تأتي بلا معنى، فهي محمّلة بمطر يغسل الأرض ويمنحها حياة جديدة. وهكذا الإحباط أيضًا، قد يثقلنا ويخنق أحلامنا، لكنه في أعماقه يحمل بذور الحكمة التي تجعلنا أكثر صمودًا وبصيرة. الإحباط ليس نهاية، بل منعطف صغير يغير اتجاهنا نحو شيء أعمق وأصدق.

motivation-life-ihbat

أتذكرون فيلم "Inside Out" الرائع ، الذي يأخذنا في رحلة داخل عقل الفتاة الصغيرة رايلي، حيث تتحكم خمس مشاعر أساسية في حياتها: الفرحة التي تسعى دائماً للحفاظ على السعادة، والحزن الذي يبدو في البداية كعبء ثقيل يجعل الأمور أسوأ، والغضب الذي ينفجر في اللحظات الصعبة، والخوف الذي يحميها من المخاطر، والاشمئزاز الذي يحافظ على سلامتها من الأشياء الضارة، وجميعها تتعاون في مقر التحكم لتشكل شخصيتها اليومية، لكن عندما تنتقل عائلتها إلى مدينة جديدة، يسيطر الإحباط عليها من خلال فقدان الذكريات السعيدة مؤقتًا وتدخل الحزن بشكل أكبر، مما يعلمنا أن الإحباط ليس مجرد شعور سلبي بل هو نتيجة اختلال التوازن بين هذه المشاعر، وأن السماح للحزن بالتعبير يساعد في إعادة الترتيب العاطفي وتحويل الإحباط إلى فرصة للنمو والتعاطف، فكأن الفيلم يقول لنا يا أصدقائي أن تفهم مشاعرنا كلها، حتى السلبية، هو الطريق للتغلب على الإحباط واستعادة التوازن في حياتنا.

وصدقوني حين أقول لكم: حتى أنا مررت بلحظات إحباط بدت وكأنها لا تنتهي، لحظات شعرت فيها أن الأرض ضاقت بي، وأن كل ما فعلته لم يكن كافياً. لكن مع الوقت، اكتشفت أن تلك اللحظات لم تكن لعنتي، بل كانت هديتي، لأنها أجبرتني أن أعيد النظر في خطواتي، وأن أتعلم كيف أنهض ببطء وبهدوء. وهذا ما يجعلني أؤمن أن الإحباط ليس خصماً يسرق أحلامنا، بل معلم صبور يكشف لنا عن قوتنا الحقيقية.

انظروا إلى قصص من سبقونا، مثل توماس إديسون الذي لم يعتبر آلاف المحاولات الفاشلة هزائم، بل خطوات تقرّبه من النجاح، و قصة الكاتبة ج. ك. رولينغ مؤلفة هاري بوتر. في مرحلة صعبة من حياتها، كانت أمًا لطفل صغير تعيش تحت ضغوط كثيرة، لكن شغفها بالكتابة كان أقوى من كل الظروف. وبعد سلسلة من الرفض من أكثر من اثني عشر ناشراً، تمسكت بقصتها حتى أصبحت اليوم من أكثر الأعمال الأدبية تأثيراً وقراءة في العالم.

 هؤلاء لم يولدوا أقوياء، بل صقلتهم لحظات الإحباط حتى صاروا ما هم عليه.

وأتعرفون ما يجعلنا أكثر اطمئناناً؟ أن الإيمان يمنحنا يقيناً بأن العسر لا يأتي وحده. يقول الله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً". ليست مجرد كلمات، بل وعد صادق بأن النور يولد من قلب الظلام، وأن وراء كل تجربة مؤلمة باباً سيفتح، حتى لو لم نره الآن.

أما عن الخطوات العملية يا أصدقائي، فهي ليست بالضرورة قفزات كبيرة، بل أشياء صغيرة تذكرك أنك ما زلت قادراً على الاستمرار. والسر يكمن في تحويل هذه الأشياء الصغيرة إلى طقوس يومية، روتين بسيط لا تسمح للإحباط أن يسرقه منك. يكفي أن تفتح نافذتك كل صباح لتتنفس هواءً جديداً، أو أن تكتب جملة واحدة على ورقة بيضاء قبل النوم، يكفي أن ترتب سريرك أو تصنع كوب شاي دافئ أو تمشي عشر دقائق في نفس الوقت كل يوم. هذه التفاصيل الصغيرة قد تبدو عادية، لكنها حين تتكرر، تبني حولك حصنًا من الثبات، وتصبح مثل شرارة تعيد الحياة إلى داخلك وتكسر ثقل الجمود.

الحياة ليست سباقاً نحو الكمال يا أصدقائي، بل رحلة مليئة بالمنعطفات، نصعد أحياناً ونتعثر أحياناً أخرى، لكن في كل سقوط هناك درس، وفي كل صعود هناك امتنان، وبينهما تنمو أرواحنا وتزداد حكمة. فلا تحاولوا إخفاء جراحكم خلف أقنعة، فالجرح الذي نواجهه يلتئم ويصبح حكمة، أما الذي نخفيه فيكبر في الظلام.

في النهاية، دعوا الإحباط يكون نقطة انطلاق لا نقطة توقف. امنحوه لحظة ليعلّمكم، لكن لا تتركوه يمسك زمام حياتكم، وتذكروا دائماً أن الغيم لا يملك أن يحجب الشمس إلى الأبد، وأن أجمل النجاحات تولد غالبًا من رحم أشد اللحظات ألماً. وإن ضاقت عليكم الدنيا يوماً، تذكروا أن هذه ليست النهاية، بل بداية طريق جديد ينتظركم بشغف. وأنت يا صديقي، كيف تجاوزت إحباطك الأخير؟ شاركني لنستفيد من بعضنا البعض. دمتم بخير يا أصدقاء . 

تعليقات

  1. هل لديك منظم اسبوعي لهذه السنة انا بحاجة ماسة له

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدول تتبع الصلاة للأطفال

التقويم السنوي 2025 مجاناً

التقويم السنوي للأطفال 2025 مجاناً