كيف ننظم حياتنا لنستخلص أجمل ما فيها… دروس من أكتوبر
مرحبا يا أصدقاء
أكتوبر دائماً يحمل معه موسم الرمان… تلك الحبات الحمراء المتلألئة كالجواهر،
التي تخفي في داخلها شيئاً أكبر من مجرد طعم. حين نتأملها، نجد أنها تشبهنا كثيراً:
تُعصر بالتجارب، وتُصفّى بالتحديات، لتُخرج أجمل ما بداخلها.
في هذا الموسم، جلست أُحضّر دبس الرمان. بدأت بعشرة كيلوغرامات من الرمان…
تخيّلوا معي هذا الكم الكبير من الحبات المتراصة! فرّطت كل حبة من قشرتها، كأنني أفصل
الأفكار عن الضوضاء. ثم عصرتها، فامتلأ الوعاء بعصيرٍ صافي ولامع، صفيته مرارًا ليبقى
منه النقي فقط. وبعدها وضعته على النار، وبدأت رحلة طويلة من الانتظار… ساعات وساعات
وأنا أُزيل الرغوة البيضاء من سطحه، إلى أن تكثّف، واشتدّ، وتحول شيئاً فشيئاً إلى
دبسٍ غنيّ الطعم. وفي النهاية، من كل تلك الكمية… خرج فقط لتر واحد من دبس الرمان.
وهنا وقفتُ لحظة صمت وتأمل. عشرات الكيلوغرامات من الرمان انتهت بلترٍ
واحد مركز… أليس هذا هو جوهر الحياة أيضاً؟ كل تلك التجارب، المحاولات، وحتى الخيبات،
لا تبقى كلها كما هي. الكثير منها يتبخر مع الوقت، يزول مثل الرغوة التي نزيحها جانباً.
لكن ما يبقى… هو خلاصة التجربة، جوهرها النقي، حكمتها العميقة، تماماً مثل ذلك اللتر
الصغير الثمين.
وما جعلني أكثر وعياً أن العملية لم تكن لتنجح بلا ترتيب وتنظيم. كل خطوة
لها وقتها: تفريط الحبات، عصرها، تصفيتها، مراقبة النار، إزالة الرغوة باستمرار. لو
تجاهلت مرحلة واحدة، لضاع جهدي كله. وهكذا الحياة أيضاً، ليست العبرة فقط بالصبر على
التحديات، بل بحسن التخطيط، وبأن نعرف متى نصفي، متى ننتظر، ومتى نحتفظ بما هو أثمن.
لكن أجمل ما لاحظته أن دبس الرمان لا يتوقف عند هذه المرحلة… بل مع مرور
الأيام، ومع بقائه فترة طويلة، يحدث له سحر خفي. الطعم الحامض القوي يبدأ يهدأ، يلين،
ويتحول تدريجيًا إلى حلاوة عميقة، ويتغيّر لونه فيزداد عتمة وجمالًا. وهنا أدركت أن
الحياة كذلك: ما كان مؤلماً في وقته، وما بدا حامضاً وثقيلاً على القلب، مع مرور الزمن
يصبح أخف وطأة، ثم يتحول إلى درس حلو المذاق، يمنحنا عمقاً جديدًا ولوناً أكثر نضجاً.
وأنا أعمل على هذا الدبس، تذكرت قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً﴾. وكأن هذه العملية درس عملي حيّ: أن كل مرارة يعقبها حلاوة، وكل صبر يعقبه
فرج.
لهذا يا أصدقائي، أوصي نفسي وأوصيكم بثلاثة أشياء صغيرة:
·
أن نرتّب
خطواتنا كما نرتّب مراحل إعداد الدبس.
·
أن نصبر
على “النار” التي تمر بنا، فهي وحدها تصنع فينا العمق.
·
وأن نتفكر
في أبسط الأشياء من حولنا، لأن فيها دروسًا عظيمة لو تأملناها قليلاً.
الحياة مليئة بالعِبر، لكنها تحتاج قلباً حاضراً وعيناً متفكّرة. حتى
دبس الرمان… يمكن أن يكون معلماً حكيماً إذا أصغينا لرسالته.


جزيت خيرا وبركة وعافية وستر 💚 أحسست بكل كلمة و عبارة وما بينها ....بارك الله فيك أختي 🌹
ردحذفأهلا بكِ يا صديقتي، سعيدة جدا بتشجيعك وكلماتك الراقية أتمنى لكِ كل التوفيق والسعادة.
ردحذف