الهواية… ركن آمن وسط العواصف
مرحبًا يا أصدقاء، كيف حال قلوبكم هذه الأيام؟
أردت أن نتحدث معًا عن شيء يبدو بسيطًا لكنه عميق، شيء غالبًا ما نؤجله بينما هو القادر على إنقاذنا في الأيام المزدحمة والمربكة… أتحدث عن الهواية، تلك المساحة الصغيرة التي تمنحنا الأمان وسط العواصف. في كل مرة تُرهقنا الأيام، نُسرع لننجز المهام، نُخطط لعملنا، لمواعيدنا، لمشاريع طويلة وقصيرة… لكن كم مرة خصصنا وقتًا صغيرًا في جداولنا لما يجعلنا نبتسم؟ لممارسة ما نحب؟ تلك الهواية التي كنا نلجأ إليها كأطفال بلا تكلّف… متى كانت آخر مرة كتبتم "وقت للرسم" أو "جلسة مع كتاب" في مفكرة تخطيطكم؟
أتذكر مساءً انقطعت فيه الكهرباء لساعات طويلة. كل شيء توقف، لا إنترنت، لا ضوء، لا ضجيج. لكنني وجدت نفسي أمد يدي نحو صندوق الألوان دون تفكير. جلست في العتمة، لا أرى شيئًا بوضوح، لكن صوت الأقلام والأوراق كان كافيًا ليُضيء داخلي. لم يكن ذلك مخططًا… لكنه كان صادقًا. كانت روحي بحاجة إلى تلك اللحظة، تمامًا كما نحتاج الهواء دون أن نراه. ماذا لو كانت الهواية وسيلتنا لفهم الحياة لا للهروب منها؟ كم من مرة شعرنا بأننا على وشك الانفجار بصمت، ثم أنقذتنا لحظة عفوية من الرسم أو الكتابة أو حتى العزلة الهادئة؟ الهوايات ليست رفاهية كما نظن، بل هي نافذة نفتحها حين تغلق الحياة أبوابها. كل مرة نمارس فيها هواية نحبها، نحن لا نهرب من الواقع، بل نُعد أنفسنا لمواجهته بروح أقوى.
الهواية تُشبه صمام أمان داخلي، لا ننتبه لقيمته إلا حين تضيق صدورنا ولا تسعها الكلمات. إنها تُنقذنا من التوتر وتمنحنا فرصة لفهم أنفسنا من جديد… كأنها مرآة نُطلّ بها على دواخلنا بلطف، بلا حكم، بلا ضجيج. والأجمل من الهواية وحدها، هو حين نُخطط لها… لا لتقييدها، بل لحمايتها. أن نضع موعدًا صغيرًا في جدولنا كأننا نهمس لأنفسنا: "أنت تستحق هذه الراحة، هذا الوقت البسيط، هذا الفرح الهادئ." وقد قال الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"، فربما كانت الهواية… هي هذا النصيب الطيب، الذي يمنح أيامنا بعض الحلاوة وسط كل المهام الثقيلة.
لذلك، ربما علينا أن نُعيد تعريف التخطيط، ألا نراه فقط كأداة للإنجاز، بل كطريقة نبني بها التوازن. لا بأس أن تكتبوا في جدولكم: موعد مع كوب قهوة وكتاب، أو جلسة كتابة قصيرة، أو حتى وقت للسكوت ومراقبة السماء. هذه اللحظات الصغيرة قد لا تُغير شكل يومكم، لكنها تُغيّركم أنتم في مواجهته. ومع الوقت، تصبح الهواية ركنًا نلجأ إليه حين يضجّ العالم. تصبح رفيقًا لا يخذلنا، ومساحة نُعيد فيها ترتيب الداخل بهدوء.ودمتم بخير يا أصدقاء.
تعليقات
إرسال تعليق